موسى الرســــــــــول
عاش فرعون وأعوانه في بلاد النيل ، يحكمون القبط وبني اسرائيل ، ويفسدون في الأرض ظلما واستكبارا ، ويتخذون من نفوسهم أربابا ، مصورين من طبيعتهم البشرية الناقصة آلهة يفرضون على السوقة عبادتها من دون الله ......... ثم هم بعد قد أنزلوا الخسف ببني اسرائيل ، وساموهم سوء العذاب ، واتعبوهم في العمل ، وأطفؤوا أمامهم سرج الأمل فكانوا تحت أيديهم من سقط المتاع .
وأوغلوا في شهواتهم ، وانصرفوا عن نور الايمان ، وانحسرت نواظرهم
وقوم في الظلالة قد تهاووا اليسوا بالرسالة يرحمونا ؟
إذن فلتفض رحمة الله ،،، ولتتفجر ينابيع عدله وكرمه ،، وليكن ارحم بهؤلاء القساة الجفاة من أنفسهم ، فيهيء لهم مدارج النور ، ويفسح أمامهم طريق الهداية ، وينير مفاوز الظلمات .....
نادى الله موسى : أن لديك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه ، ويعزز الله بهما كلمتك ، ويعلي حجتك ، فاذهب الى هؤلاء حتى تخرجهم من الظلمات الى النور ،،،، وترفع علما يخفق في بلاد النيل ،،،، فينبلج نور الرشاد ويتوارى غلس الضلال ...
سمع موسى دعوة الله ،، وتهيأ لتلبية النداء الكريم ،،، وهو وإن يكن ربط الله بالايمان قلبه ،،، ووثق بالبراهين دعوته .......... فأراه حجتين بهما يتقوى ويشتد ،،،ويساجل،،، ويناضل،،، ويعزز،،، كلمة الله أمام فرعون وقومه - إن يكن له كل ذلك فإن موسى ثأرا قديما لفرعون ،،، فهم يطلبونه أمد .... وهو قد أمعن في الهرب ،،، وفارق الأهل لفرعون ... إنجاء لنفسه .... وطلبا للسلامة من أقرب الابواب ..... وهو كذلك وان جاشت في نفسه نزعة الحنين الى الوطن ،، واختلجت في فؤاده عوامل الشوق والشجن ،،، لا يزال يجد أمام الأمل سدة ،،، فيغض الطرف عن هذا المطلب البعيد المنال ،،، أما وقد دعاه الله وهيأه لرسالته ، فقد آن له أن يتقدم حيث أحجم ،،، وأن تنبعث آماله حرة طليقة بعد أن حبسها وحال دونها الخوف والحرمان .....
فاضت الضراعة من قلب موسى الى ربع فقال :
( رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلونٍ )
قال قولته ليطمئن وليشرف قدره ،،،، ويعظم جاهه ،،،، فينفخه ربه بقول كريم ،، ينير في قلبه مصابيح الرجاء ويفسح أمامه أمامه مسالك الأمل ويثلج خاطره ويهديء روعه ويؤمن نفسه ...
اُمر موسى أن يذهب الى فرعون ، فتهيب الموقف ، واستعظم الأمر وهو الذي لا يكاد يبين هن آيات الهدى ، ودلائل الحق ، لانها فياضة زاخرة ، تمتليء بها مشاعره ، وتجيش بها خواطره ، وتملك عليه عقله وقلبه ، وهو لا يملك أن يكون قوي التعبير.... رصيص الحجة ....مفوه المنطق.... سري البيان .... لانه شأنه خطير ..... وأمره أمر كبير ...... فدعا ربه فقال :
" رب اشرح لي صدري " حتى ينفسح لتحمل أعباء هذا الامر العظيم ، " ويسر لي أمري " برفع الموانع والصعاب ، " واحلل عقدة من لساني " أكن ناصع البيان ، سديد البرهان ، حتى ينفذ بلاغي الى نفوسهم ، ويتسرب الى قلوبهم ، واجعل لي شريكا وزيرا من اهلي ، هو هارون أخي ، أشدد به أزري ، واشركه في أمري .
أجاب الله نبيه الكريم ،، تدعيما للدعو وتكريما لرسوله ، وتنبيها لشأن الحق ، فألهم هارون - وقد كان بمصر - أن يذهب الى حيث يقيم موسى أخوه ، ليشركه في أمره ، ويحمل معه أعباء هذا الامر الخطير ، فلبى هارون داعي الحق ، وسار فقابل أخاه بجانب الطور الأيمن ..
إذن فقد اطمأن موسى عليه السلام ,,,,,,, وتقوى ظهره ,,,,, وآتاه الله سؤله ....
أوحى الله الى موسى واخيه : أن اذهبا الى فرعون ، فقولا له قولا لينا أرفق بنفسه ، وآلف لقلبه ، عسى أن تلين قسوته ، وتخشع سطوته ، فلا تحمله حماقته على أن يسطو عليكما ، ولتسدا أمامه منافذ التمحل والاعتذار ، وعسى أن تكون دعوتكما لينة رقيقة ، فلا تفجعه في سلطته ،، ولا تصدمه في عزته ......
ومن أولى من رب السماء والأرض بأ، يعلم الأدب ، ورقة العبارة ،، وسمو الحس ،،، وحسن المعاملة ؟؟؟ ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا ؟؟؟ ...
اليست لفرعون على موسى حقوق التربية ؟ فمن حقه عليه ملاينته في القول ورقة الاسلوب ...
يا موسى : اهب انت واخوك بآياتي الى فرعون وقومه ، وتدرجا معه في الدعوة ، فقولا : إنا رسولا ربك ، وادعواه ليخلص بني اسرائيل مما هم فيه من ظلم وإيلام ......
ذهب موسى واخوه الى مصر فأتيا فرعون ، فاستهان بهما ، واستنكر خطبهما ، فقال : حتى انت يا موسى .....
( الم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ) ... سورة الشعراء
فقال موسى : أتمن بتربيتي لديك وليدا فتحسبها نعمة ؟ اليس منشؤها ظلمك واستعبادك لبني اسرائيل ؟
فانطلق فرعون قائلا . وكذلك فعلت فعلتك التي فعلت وانت من الجاحدين بنعمتنا ودحض موسى حجته ، ورد دعوته ، فقال بل فعلتها إذا وانا من الضالين .......... ولما خفت بطشكم فررت منكم ، فأصابتني نعمة الله ورحمته ، فوهب لي علما وحكمة ، وجعلني من المرسلين ......
حينئذ استغلق باب النقاش أمام فرعون ، فعمد إلى طريق آخر ، واهما أن به نصفته وفيه سلامته ،
فقال : وما رب العالمين ؟
فقال موسى : إن ايقنت حقيقة الاشياء وأدركت وجودها وآثارها ، فإلهي ربها ، رب السماوات والأرض وما بينهما .
فتميز فرعون غيظا ، وراح يثير سخيمة ، ويبعث دهشتهم وعجبهم واستنكارهم ، فقال ألا تسمعون ؟! أسأله عن حقيقة ربه فيذكر لي أفعاله !!
فقال موسى : ربي ربكم ورب آبائكم الأولين .....
(رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ) سورة الشعراء
فثار فرعون واضطربت نفسه ,,,, ولج في غضبه ، وزاد غيظه ، وعجزت حجته فلجأ الى حيلة المحنق الموتور ، وعمد الى قوته ، وقال ....
( لئن اتخذت إلاها غيري لأجعلك من المسجونين ) سورة الشعراء
لم يبال موسى ، واطمأن لدعوته ، وانبعث لسانه بدفء الامل فقال :
( أولو جئتك بشيء مبين )
حجة دامغة ، ومعجزة قاطعة ،،، تزيل عنك الريب والشكوك .؟
فقال فرعون : إذن فأت بها إن كنت من الصادقين ......